مدن وقرى  بئر سبع

   

تقع مدينة بئر سبع في الجزء الجنوبي من فلسطين وفي الجزء الشمالي من صحراء النقب الفلسطينية ، وهذا جعلها تقع في ملتقى ثلاث بيئات مختلفة، الصحرواية في الجنوب والجبلية في الشمال والشمال الشرقي والبيئات الساحلية، ما عزز من أهميتها الاقتصادية والحربية، فهي البوابة الجنوبية لفلسطين والبوابة الشرقية لمصر، ولذلك كانت محط أنظار الجيوش خصوصاً أثناء الحروب العربية الإسرائيلية.
ويعتقد البعض أن اسم المدينة (بئر سبع)، مأخوذ من بئر كان يرده حيوان مفترس هو السبع، ويعتقد البعض الآخر أن تسميتها تعود إلى وجود سبعة آبار للماء في منطقة تخلو من المياه، والحقيقة أنه إذا كان هناك سبعة آبار فإن اسمها لن يكون بئر سبع، لأنه من التسمية يتضح أنه بئر واحد. ويقال أن اسم بئر سبع يعود إلى قصة النعاج (السبع) التي أهداها إبراهيم إلى أبي مالك ملك فلسطين، وذلك لكي تشهد عليه بأنه هو الذي قام بحفر البئر هناك. وسمي المكان منذ ذلك الوقت بـ(بئر سبع) .
يعتقد المؤرخون أن أقدم من سكن هذه البلاد هي القبائل الكنعانية وخاصة العماليق، وقد استقرت فيما بعد مع هذه القبائل واختلطت بها، مجموعات أخرى من الأموريين والمدينيين. وهذا دليل على أن أصل أقدم سكان لهذه المنطقة هم من العرب الذين نزحوا من الجزيرة العربية .
أقام الكنعانيون في هذه البلاد 17 مدينة، بالإضافة إلى بلدة ديمونا، حيث يعتقد بأنها كانت قائمة شرقي تل الملح الواقع على بعد 24 كم جنوب شرقي بئر سبع، وكذلك إلى الشمال من قرية عرعر، وأنشأ الأموريون مدينتين بها، ومدينة أخرى أنشأها الفلسطينيون في القرن الثاني عشر قبل الميلاد .
كانت بئر سبع منطقة الاتصال في عهد الهكسوس عندما وحدوا مصر والشام في القرن السابع قبل الميلاد وعندما هزم الهكسوس وأخرجوا من مصر، تعرضت بعض بلاد بئر سبع للدمار وخاصة (شارومين). وفي القرن الخامس عشر قبل الميلاد امتد نفوذ الآدوميين إلى بلاد بئر سبع، بعد أن نزلوا الديار الواقعة بين وادي الحسا والبقعة. تعرضت بلاد بئر سبع لغارات اليهود في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقد قاوم سكانها من القبائل الكنعانية والآمورية والمدينيين والآدوميين اليهود ووقفوا في وجههم. كما تعرضت منطقة بئر سبع، كغيرها من المناطق الفلسطينية إلى الغزو الاشوري والبابلي والفارسي واليوناني والروماني. وقد كان للطرق التجارية أثر كبير في ازدهار بلاد بئر سبع، وذلك لوقوعها على طرق التجارة العربية، التي كانت تحمل مختلف أنواع المنتوجات الهندية والإفريقية الشرقية، وتمر من محطة بئر سبع التجارية. وتتجه فيما بعد إلى مصر أو إلى ساحل البحر المتوسط عند غزة .
وقد أدى ازدهار التجارة إلى قيام العديد من المدن التي بقيت آثارها حتى اليوم على شكل خرب قديمة، وكانت بئر سبع محط قوافل التجار المعينيين (دولة معين اليمنية) . ويعتقد بعض المؤرخين أن المعينيين هم الذين أسسوا مدينة غزة ومدينة بئر سبع كذلك . وبعد المعينيين جاء السبئيون وبقيت بئر سبع محطة للقوافل أيضاً، أما في فترة ظهور دولة الأنباط التي شملت كلاً من جنوب الأردن وفلسطين، بقيت بلاد بئر سبع محطة للقوافل التجارية، بل وزادت التجارة في عهد الأنباط، حيث كانت محطة للقوافل الذاهبة من البتراء إلى مصر أو إلى غزة .
دخل الأتراك مدينة بئر سبع عام 1519، ولم يكن لهم حكم مباشر في بئر السبع، لأنهم كانوا يتجاهلون البدو، وبعد حدوث الحرب الأهلية بين قبائل الترابيين والعزازمة ، فكر الأتراك في حكم المنطقة بشكل مباشر، وذلك لوقوعها على الحدود مع مصر، حيث كانت تتبع في أوقات مختلفة إلى غزة أو القدس . وقد أسس الأتراك قضاء بئر السبع عام 1900، وعينت السلطات التركية مجلساً بلدياً وأنشأت داراً للحكومة وثكنة للجنود، وقامت بوضع تخطيط لمدينة بئر سبع.
تطورت مدينة بئر سبع بعد ذلك، وزاد عدد سكانها فأصبح حوالي 800 نسمة في عام 1907، بعد أن كان أقل من 300 نسمة عام 1902. وبنيت فيها دار للبلدية ومضخة لتوزيع الماء، ومطحنة للحبوب، ومسجد كبير ذو طابع هندسي متميز، ومدرسة للبنين ذات طابقين، غرست الأشجار على جنباتها. وتعتبر هذه المدرسة من حيث الهندسة أكبر وأجمل مدرسة أميرية تعود لحكومة فلسطين في سنة 1930.
بعد عام 1914 ودخول تركيا الحرب العالمية الأولى، أصبحت بئر سبع مركزاً حربياً هاماً، للإنطلاق إلى قناة السويس، فتطورت المدينة بشكل أكبر وأضيفت إليها المباني والمخازن ومحطة السكك الحديدية، وأقيمت سكة حديدية وصلت بئر سبع بباقي فلسطين والعوجا حتى الحدود المصرية، وأنشئت الطرق المعبدة التي تربطها بالخليل عوجا الحفير – الحدود المصرية، احتل البريطانيون بئر سبع عام 1917 كما احتلوا كامل الصحراء الفلسطينية، وبقوا فيها حتى نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948.
عندما أعلن البريطانيون عزمهم على الانسحاب من فلسطين في منتصف مايو (أيار) 1948 ، تشكلت في بئر سبع حامية للدفاع عنها مؤلفة من أفراد الشرطة المحلية والهجانة. وقد استطاع مناضلوا المدينة في حدود إمكانياتهم أن يقوموا بنشاط قتالي جيد، فكانوا يعترضون قوافل السيارات الصهيونية المحروسة، ويتصدون إلى جماعات الصهيونيين المسلحين، بل أنهم بعد مهاجمة قافلة صهيونية متجهة إلى مستعمرة (بيت إيشل) قاموا بمحاصرة المستعمرة نفسها .
لجأ الصهيونيون فور انسحاب القوات البريطانية من منطقة بئر سبع في 14 مايو (أيار) 1948، إلى بسط سيطرتهم على المناطق والطرق الهامة من الناحية العسكرية وبعد معارك عنيفة احتل الإسرائيليون بتاريخ 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1948 مدينة بئر سبع كلها .

أما سكان مدينة بئر سبع نفسها فقد تذبذب عددهم في فترات قصيرة عدة مرات، حيث بلغ عدد السكان عام 1922 حوالي 2356 نسمة، ثم أصبح العدد 2959 نسمة، وتزايد إلى أن أصبح عام 1945 حوالي 5570 نسمة، وفي عام 1948 تناقص هذا العدد إلى 200 نسمة حيث هاجر معظم سكان المدينة بعد الاحتلال الإسرائيلي لها، وأخذ اليهود المستوطنون يأتون إلى بئر سبع ويستوطنونها حتى بلغ عددهم عام 1949 حوالي 1800 نسمة في عام واحد.

وفي 2005 بلغ عدد سكان المدينة 185 ألف منهم 2700 عربي فلسطيني فقط.